وردة نبتت فى صخرة!!

كتبت د: مؤمنة محمد طعيمه
وردة نبتت فى صخرة!!
في بيت مزدحم بسبع بنات، وُلدت “هي” مختلفة. لم تكن الأخت المدللة، ولا صاحبة الحظوة عند الأب والأم. من طفولتها شعرت أنها ضيفة في بيتها، مهمَلة في المشاعر، منسية في الاحتواء. ورغم ذلك، كانت تحمل قلبًا كبيرًا لا يعرف الحقد، فقط تتألم بصمت وتحلم رغم الجراح.
كبرت “هي”، وقررت أن تعتمد على نفسها، كانت الوحيدة بين أخواتها التي خرجت للعمل، وتحمّلت مسؤولية نفسها منذ صغرها، وبدأت رحلتها في مواجهة الحياة.
كان والدها يريد أن يحتفظ بها بجواره، يتحكم في حياتها حتى في اختيار الزوج. وحين تقدّم لها رجل لا يليق بمستواها، وافق الأب فقط لأنه كان مطيعًا له. وتنازلت هي، ليس عن كرامتها، بل عن أحلامها، فقط لتحقّق رضا والدها.
تزوّجت، ولم تكن تعرف أن هذا الزواج سيكون بداية رحلة طويلة من التضحية. كانت هي السند والكتف، الأم والأب، الزوجة والأخ. أنجبت، وتفرغت لرعاية أطفالها، وبذلت الغالي والنفيس من أجلهم. تحملت حياة قاسية، وزوجًا لا يحمل مسؤولية، لكن قلبها المليء بالحب لم يسمح لها بالاستسلام.
مرت السنوات، وكبرت المسؤوليات، لكنها كانت دائمًا في الصفوف الخلفية، لا أحد يسأل كيف حالها، أو هل ما زال في قلبها نبض لحلم قديم؟ كانت وحدها تصنع مجدها في الظل، وتُربي أولادًا ناجحين وهي تنطفئ في صمت.
وفي لحظة صدق مع النفس، وبعد 26 عامًا من الزواج، اكتشفت أنها كانت وحدها في هذه المعركة. لا دعم من زوج، ولا امتنان من أهل. بل صارت تُحارَب حين بدأت تحقق لنفسها استقلالًا ماديًا، وواجهت اتهامات من أبيها وأخواتها الذين لم يقدّروا ما فعلته، بل رأوا في نجاحها تهديدًا لسلطتهم.
فقررت الرحيل.
قررت أن تبدأ من جديد.
لا انتقام، ولا كراهية، فقط احترام لنفسها، وكرامة نفضت عنها الغبار.
بعد الطلاق، لم تنهزم، بل بدأت تُعيد بناء ذاتها. أكملت تعليمها، حصلت على الدكتوراه، وبدأت تتنفس للمرة الأولى بسلام. علّمت أولادها الاعتماد على النفس، ورسمت طريقًا من نور بعد أن عاشت عمرًا في العتمة.
لكن الأهم، أنها أدركت أن العائلة ليست دائمًا ملاذًا، أحيانًا تكون سجنًا مؤلمًا. تعلّمت أن تثق بنفسها، لا بوجوه تتغيّر عند الشدائد. عرفت أن الاحترام لا يُفرض، والحب لا يُشترى، وأن كل امرأة بداخلها قوة لو أطلقتها، غيّرت واقعًا كاملًا.
وفي نهاية قصتها، لم تكن تنتظر اعتذارًا، ولا تصفيقًا. فقط أرادت أن تنام ليلها دون وجع، وأن ترى وجهها في المرآة وتبتسم، لأنها أصبحت “هي” كما أرادت دائمًا، لا كما أرادوا هم.؛
الرسالة:
هذه القصة ليست حكاية امرأة واحدة، بل حكاية كل امرأة صبورة ظُلمت وسكتت، ثم قررت أن تنقذ نفسها، وتكتب نهايتها بيديها لا بأيديهم.
“ليست كل من صمتت ضعيفة، أحيانًا يكون الصمت طريق القوة، وحين تنهض المرأة بعد انكسار، تنهض أمة معها.”