براعة الفراعنة نظام متكامل لاستخلاص الزيت بأدوات العصر الحجري بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير

كتب د: عبد العزيز الجداوى
براعة الفراعنة نظام متكامل لاستخلاص الزيت بأدوات العصر الحجري
بمناسبة افتتاح المتحف المصري الكبير
نتكلم عن براعة وأتقان المصريون القدماء، الذين عُرفوا بمهارتهم الفائقة في الهندسة والكيمياء،وصناعة الزيوت النباتية والحيوانية، والتي لم تكن مجرد غذاء بل عنصرًا أساسيًا في الطقوس الدينية، والتحنيط، والطب، ومستحضرات التجميل. وقد ابتكروا نظامًا متقدمًا لاستخلاص هذه الزيوت، يدل على فهم عميق لخصائص المواد والحاجة إلى الكفاءة والجودة.
المعاصر الحجرية: دقة في العصر
كانت المرحلة الأولى هي تجهيز البذور (مثل السمسم، وبذور الكتان، والخروع، والزيتون في الفترات اللاحقة لسحقها. اعتمد المصريون في ذلك على معاصر حجرية متقنة، تشمل الهاون والمدقة لسحق المواد الخام وتحويلها إلى عجينة، وهي طريقة تعود إلى عصور مبكرة حوالي 5000 قبل الميلاد.
كما وثّقت النقوش الجدارية، وخاصة في عصر الدولة القديمة، استخدامهم لتقنية تُعرف بـ “طريقة الالتواء” أو “المكبس الليفي”، والتي كانت تُستخدم في الأصل لعصر العنب ثم طُبقت على الزيتون. تتلخص هذه الطريقة في وضع عجينة البذور أو الزيتون داخل كيس قوي قابل للاختراق غالبًا من الكتان أو الخوص، وتثبيت عصي على طرفيه. ثم يتم لف العصي في اتجاهين متعاكسين بشد وقوة لضغط الكيس واستخراج الزيت بكفاءة عالية، مما يضمن الحصول على أقصى كمية ممكنة من المنتج.
أواني الحفظ والترشيح:
نقاء وجودة بعد العصر، كانت تأتي مرحلة التجميع والفصل. وهنا تظهر براعة المصريين في اختيار المواد، حيث استخدموا أواني فخارية مقاومة للتأكسد لحفظ الزيوت المستخلصة. كان الفخار المصقول والمحكم الإغلاق يوفر بيئة مثالية لحفظ الزيت من التلف والتعرض للهواء والضوء، مما يحافظ على جودته وخصائصه العلاجية والعطرية لفترات طويلة.
أما لتنقية الزيت من الشوائب والفتات العالق، فقد استخدموا تقنيات ترشيح دقيقة بالأقمشة الكتانية. حيث كان يُمرر الزيت عبر أقمشة نسيجها دقيق للغاية لتصفية الشوائب، وتُعد هذه الأقمشة بمثابة مرشحات طبيعية فعّالة لإنتاج زيت نقي ورائق.
*دلالة النظام المتكامل*
يُظهر هذا النظام المتكامل لاستخلاص الزيت – بدءًا من السحق الدقيق، مرورًا بالعصر باستخدام المكابس اليدوية المكابس الليفية، ووصولًا إلى الترشيح الدقيق وحفظ الزيت في أوانٍ مصممة بعناية – مدى التطور العلمي والتكنولوجي للحضارة المصرية القديمة. لم تكن العملية مجرد استخراج بسيط، بل كانت سلسلة خطوات محسوبة لإنتاج منتج ذي جودة عالية يلبي الاحتياجات المتعددة للمجتمع، سواء في موائد الطعام أو في قدس الأقداس..