التعافى بالصمت، عندما يصبح البعد عن الضجيج دواء
كتبت د : مؤمنه طعيمه
التعافي بالصمت: عندما يصبح البعد عن الضجيج دواءً
في زمنٍ تكثر فيه الأحاديث، وتتناقل فيه الألسن الأخبار بسرعة تفوق سرعة الضوء، أصبح الصمت فضيلةً نادرة، بل علاجًا لا يعرف قيمته إلا من أرهقته الضوضاء. إن التعافي النفسي لا يكمن فقط في البعد عن المشكلات، بل أيضًا في الابتعاد عن القيل والقال، واللت والعجن، والكلام الذي لا يُثمر إلا توترًا وضيقًا.
دوامة الحديث: استنزاف بلا فائدة
كم مرة وجدتَ نفسك محاطًا بأحاديث لا طائل منها؟ جلسات تمتد بالساعات عن هذا قال وذاك رد، عن أصل الحكاية وفصلها، عن “قالوا وعادوا وشالوا وحطوا”، وكأن الحياة توقفت عند تحليل كل كلمة وكل موقف! هذه الدوامة لا تُشبع العقل، بل تستنزف طاقته، وتتركك في نهاية اليوم مثقلاً دون أن تحقق شيئًا يُذكر.
الابتعاد عن الضوضاء: هدوءٌ للروح
الراحة النفسية ليست في حل كل المشكلات، بل في تجاهل بعضها، في انتقاء المعارك التي تستحق الخوض، وفي إدراك أن الحياة ليست بحاجة لكل هذا “الهري” و”الرغي” و”الكاني والماني”. التراجع خطوة للخلف أحيانًا ليس هروبًا، بل وعيًا بأن الصمت في مواقف كثيرة أكثر فائدة من أي حديث.
التعافي الحقيقي: كيف نطبقه؟
1. فلتر أحاديثك: اسأل نفسك قبل أن تشارك في أي حديث: هل سيضيف لي قيمة؟ هل سيؤثر في حياتي أو حياة الآخرين بشكل إيجابي؟ إذا كانت الإجابة “لا”، فابتسم وابتعد.
2. اختر بيئتك بحكمة: الصحبة الثرثارة تسرق منك وقتك وراحتك، بينما الصحبة الهادئة تمنحك مساحة للتفكير والتطور.
3. لا تكن جزءًا من الدوامة: إذا وجدت مجموعة تنغمس في القيل والقال، غيّر الموضوع أو انسحب بلطف، فالعمر أقصر من أن يُهدر في “السين والجيم”.
4. مارس الصمت بوعي: خصص وقتًا في يومك للهدوء، حتى لو كان عشر دقائق فقط، لتسمع صوت أفكارك بعيدًا عن الضوضاء الخارجية.
5. ركز على الفعل بدل الكلام: بدلًا من تحليل تصرفات الآخرين، استثمر وقتك في تحقيق أهدافك الخاصة، فالإنجاز خير رد على أي حديث فارغ.
كلمة أخيرة: راحة القلب في انتقاء الكلام
الحياة ليست مناظرة دائمة، وليست ساحة لإثبات صحة آرائك أو سماع كل ما يُقال. اختر معاركك بحكمة، وامنح نفسك نعمة الصمت حين يكون الضجيج بلا معنى. ففي النهاية، العقل الهادئ والقلب المتصالح مع نفسه هما مفتاح السعادة الحقيقية.