التربية بالقدوة، حين يصبح الوالد مرآةً لصغاره


كتبت / بسمة رمضان
التربية بالقدوة، حين يصبح الوالد مرآةً لصغاره
إنّ صياغة شخصية الطفل لا تبدأ من الكلمات التي نُلقيها عليه، ولا من التعليمات التي نكرّرها صباحًا ومساءً، بل من الصورة الحيّة التي يراها فيمن حوله. فالطفل، قبل أن يكون مُتلقّياً للكلام، هو مُراقِب دقيق للسلوك. ينظر، يتأمّل، يقلّد، ويحوّل كل ما يشاهده إلى جزء من شخصيته.
إن أسهل الطرق وأعمقها تأثيراً في التربية ليست تلك التي تعتمد على الأوامر المباشرة واللوائح الصارمة، بل تلك التي تبدأ من داخل الوالدين أنفسهم… من سلوكهم، ونبرة حديثهم، وعاداتهم، وأسلوب تعاملهم مع الحياة. فالطفل يرى في أبويه نموذجًا جاهزًا للحياة، يتعلّم منه دون أن يُطلب منه ذلك.
لقد أثبتت التجارب أن أكثر ما يكتسبه الطفل من قيم وعادات يأتي من البيئة المحيطة به لا من التلقين النظري. فكما يتعلم الطفل اللغة من احتكاكه الطبيعي بالمجتمع، يتشرّب كذلك الأخلاق والسلوكيات من احتكاكه اليومي بالأسرة. إنّ البيوت تُعلّم دون أن تتكلم، والبيئة تُشكّل قبل أن تُلقّن.
ولهذا، فإن غرس السلوك الإيجابي يبدأ حين نمارسه نحن أولاً.
إن أردنا زرع قيمة الصدق، فلن يكون الطريق الأمثل أن نُكثر من التوجيهات، بل أن نكون نحن صادقين في قولنا واعتذارناواعترافنا. وإن أردنا تنمية احترام الآخرين، فلتبدأ ممارسته بين أفراد الأسرة أنفسهم.
إن التربية التي تعتمد على القدوة ليست فقط أسهل، بل هي أكثر ثباتًا وتأثيرًا. فالقيمة التي تُعاش تُصبح عقلًا وسلوكًا، بينما القيمة التي تُقال دون ممارسة، تبقى عبارة فارغة لا تترك أثرًا عميقًا.
من هنا تبدأ المسؤولية…
ليس أن نُكثر الأوامر، بل أن نُقلّلها.
ليس أن نرفع الصوت، بل أننرفع الوعي.
ليس أن نُطالب أبناءنا بالكمال، بل أن نكون نحن في طريقه.
التربية بالقدوة تُعلّم الطفل كيف يفكر، وكيف يتصرف، وكيف يواجه الحياة… دون الحاجة إلى ترسانة من القوانين والممنوعات.
الخاتمة
في نهاية المطاف، الطفل ليس نسخةً مما نريده أن يكون… بل مما نكون عليه نحن.
أما التربية الحقيقية، فهي أن نصبح مثلًا يُقتدى به، لا معلّمًا يُطيع أمره.
فالقيم الصادقة لا تُفرض بل تُرى.



