المال المرصود
كتب: كريم أحمد
المال المرصود
الإرصاد في اللغة من أرصد أي أعد، وهذه العبارة (الإرصاد) مستخدمة في عصرنا هذا في مجال المالية العامة بمعنى الإعتمادات الماليه التي هي مبالغ محددة في الميزانية لغرض الصحة أو التعليم أو التدريب… إلخ.
وفي الحديث النبوي بصحيح البخاري ( مايسرني أن عندي مثل أحد ذهبا، تمضي على ثالثة (ثلاث ليال) وعندي منه دينار، إلا شيئا أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا : عن يمينه وعن شماله ومن خلفه)..
والإرصاد في الإصطلاح الفقهي هو تخصيص غلة بعض اراضي بيت المال لبعض مصارفه كما جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية.
فالإرصاد هنا بمعنى الإرصاد الحديث، مع ملاحظة لفظ الغلة في التعريف ،،
فالإرصاد الحديث يفيد تخصيص مبلغ واحد،،
أما الإرصاد الفقهي فهو تخصيص مبلغ جار ناشيء عن أصل أي عن مال له غلة أو ريع.
ويذكر الفقهاء أن هناك رأيين مختلفين في الإرصاد : رأي بأن الإرصاد وقف، ورأي بأنه ليس وقفا .
ذكر إبن عابدين في حاشيته ، الإرصاد ليس وقفا حقيقة، لعدم ملك السلطان، بل هو تعيين شيء من بيت المال على بعض مستحقيه.
وقول إبن عابدين فيه نظر،،
لأن الملكية في الإسلام ثلاثة أنواع : ملكية خاصة، ملكية حكوميه، ملكية عامة .
فالسلطان لايملك ماهو عام، ولكنه يملك ماهو حكومي ويتصرف فيه تصرف الأفراد في أملاكهم الخاصة ، وذلك بالنيابة عن هؤلاء الأفراد.
وعلى هذا يكون الإرصاد من الدولة، والوقف من الأفراد ،،
وهذا التمييز لايجعل الإرصاد خارجا عن الوقف ، بل يبقى ضربا من ضروبه ،
والإرصاد يشبه إقطاع المنفعة، فالإقطاع نوعان :
إقطاع تمليك وهذا لايشبه الإرصاد، وإقطاع منفعة أو خراج أو غلة .
وهذا الإقطاع وإن كان مؤقتا، فإن الوقف يمكن أن يكون كذلك مؤقتا غير مؤبد عند بعض الفقهاء ..
وذهب بعض الكاتبين إلى أن الفرق بين الإرصاد وإحياء الموات : أن في الإحياء تمليكا للعين والمنفعة، بخلاف الإرصاد ، وهذا غير صحيح ، لأن الإحياء قد يكون من شأنه تمليك المنفعة دون العين ..
ولم يجز العلماء أن يرصد الإمام شيئا من المال العام على نفسه أو على ذريته، فهذا يعني تحويل مال الدولة إلى مال خاص، أي هو ضرب من النهب والغلول ..
ويمثل الفقهاء لمال الإرصاد بالأرض التي فتحها المسلمون عنوة، لأنها تصير ملكا لبيت المال ..
فلايجوز للإمام أن يرصد أرضا مملوكة ملكا خاصا كأرض الحوز أو الحيازة، ولا أرضا مملوكة ملكا عاما مباحا لجميع المسلمين،، كما لايجوز وقف أموال الزكاه على جهاتها، لما فيه من التحجير على الفقراء، لأن هذا يعني حصول الفقراء على ريع المال فقط وهذا باطل مطلقا لأن حقهم أن يحصلوا على أصل المال نفسه.