مقالات وآراء

وقفة مع آية


بقلم الدكتور / السيد الزيني ” عميد قسم التطوير جامعة العلا للدراسات العربية والإسلامية وممثل جامعة الوفاق الدولية بالنيجر – سابقاً ”
إن المنافقين هم أشد أعداء الأمة الإسلامية، وأخطرهم عليها، فهم يتلوَّنون حسب البيئة، يظنهم المؤمن عونًا له، وهم عونٌ عليه، يحسبهم له ناصحين، وهم هلاكه ودماره : يساعون في الأرض بالفساد ، قلَّما يخلو منهم مجتمعٌ أو نادٍ، يعملون من وراء الكواليس، ومن خلف الصفوف، كما أن من هؤلاءِ من قد يتَّخذ من لافتات الصدق والنزاهة والبراءة والشرف ستارًا لأعمالهم ونفاقهم، فهم يعملون في الخفاء، ويَنْدَسُّون بين صفوف المؤمنين، يوقعون الفتنة بينهم، ويشيعون الفشل في صفوفهم وينشرون الخسَّة في نواديهم ، لاهمَّ لهم إلاَّ نشر الرذيلة ومسخ الفضيلة ، ولقد استغرق الحديث في الكتاب والسنة عن النفاق والمنافقين مساحة كبيرة من الآيات والأحاديث الصحيحة، وبلغت في القرآن ما يقرب من ثلاثمئة وأربعين آية، وجاء الحديث عنهم في أكثر من نصف سور القرآن المدنية.
قوله تعالى: ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ” البقرة ، – يقول الدكتور عبدالكريم الخطيب عند هذه الآية: هذه صورة للمنافق تمثل ظاهره وباطنه جميعا ، فالمنافق متجمل في ظاهره، مجتهد في تزويق هذا الظاهر، وفي طلائه بالألوان الزاهية، حتى يخدع الناس عن باطنه الذي يعلم هو فساده أكثر مما يعلم الناس منه.. ولهذا فهو يبالغ في تسوية مظهره، وفي تجميله حتى يستر بهذا الزيف ما يخفي باطنه، وحتى يغطي بهذا البخور الذي يطلقه على هذا العفن الذي يفوح منه ، وقال تعالى : (… وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، «سورة المجادلة: الآية 14، – ثم إن المنافقين، وإن بدوا في ظاهرهم على صورة واحدة، فإنهم في حقيقتهم، أشتات متفرقون، لا تجمعهم مشاعر الود، ولا تؤلف بينهم صلات هذا المعتقد الفاسد الذي يدينون به.. تماما كالخشب المسندة، كل كتلة منها قائمة إلى جوار غيرها، لا تشعر بها، ولا تحس بوجودها ، ولا يلزم قريحة المؤمن استبانته لأوَّل وهلة فلا يعيب المسلم نفسه بعدم الكياسة أو قلة الفطنة ؛ لذا قال الله تعالى لنبيه ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – : ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ ، أي مرنوا عليه وحذقوه حتی بلغوا الغاية من إتقانه وجعله بحيث لا يشعر أحد به لاتقائهم جميع الأمارات والشبهات التي تدل عليه ، أي لا تعرفهم أيها الرسول بفطنتك ودقة فراستك التي تنظر فيها بنور الله لحذقهم وتجنب مثارات الشبهة، وأكد هذا النفي بإثبات العلم بأعيانهم له وحده عز وجل ، لذا أعفى الله نبيه من هدايتهم أو الدعاء لهم أو الصلاة عليهم أو حتى الاستغفار فقال تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، «سورة التوبة: الآية 80 ، ثم توعدهم الله ذاته بنفسه – تعالى – فقال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً)، «سورة النساء: الآية 145»، وقال تعالى: (… إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)، «سورة النساء: الآية 140، وما أكثر الأحاديث المحذرة من الوقوع في براثن الهلكة للكذب والنفاق أو مّبارِك الخيانة والرياء أو الانزلاق بين مخاضات مستنقع شعبه وخصاله ، حيث قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي منافق عليم اللسان»،عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَرَ ” رواه الشيخان : البخاري ومسلم – النفاق هنا نوعان – الأول : اعتقادي : ما يختص بإظهار الإسلام وإبطان الكفر ، النوع الثاني – عملي : ما يختص بالمعاملات مع بني آدم ، وعلى قدر تمكن أي هذه الصفات فيه يكون نصيبه منها نصيباً من النفاق حتى يدعها ويتركها بالكلية مطلقاً
فالخَصلةُ الأُولى: أنْ يَشتهِرَ بالخيانةِ بيْن النَّاس ولو في أمانة الكلمة – الكلمة أمانة ، سر الرجولة والنخوة وحسن التربية ، والخَصلةُ الثَّانيةُ: أنْ يَشتهِرَ بالكذِبِ في الحديثِ فيذكر ما لم يحدث ويقسم أنه وقع وتم ، أو يزيف الواقع بما ليس فيه ملتحفاً بالكذب والتزوير والبهتان والتضليل ، والخَصلةُ الثَّالثةُ: إذا عاهَدَ أحدًا غدَرَ به، ولم يَفِ بالعهدِ الَّذي عاهَدَه عليه، بل ربما أوقع به المضرة بلا جريرة حقداً وحسداً وإحساساً بالضعف والهوان عند نفسه والذلة والصغار بين جنباته قال تعالى : ” إنه لقول فصل – وما هو بالهزل – إنهم يكيدون كيداً – وأكيد كيداً – فمهل الكافرين أمهلهم رويداً ” ، والخَصلةُ الرَّابعةُ: الفُجورُ في الخُصومةِ، والمرادُ بالفُجورِ أنْ يَخرُجَ عنِ الحقِّ عمْدًا، حتَّى يَصيرَ الحقُّ باطلًا، والباطلُ حقًّا ، والفجور في الخصومة على نوعين أحدهما: أن يدعي ما ليس له والثاني: أن ينكر ما يجب عليه ، والمقصودُ مِن الحديثِ: أنَّ هذه الخِصالَ خِصالُ نِفاقٍ، وصاحبُها شَبيهٌ بالمُنافقين في هذه الخِصالِ، ومُتخلِّقٌ بأخلاقِهم – فاحذر أن تصيبك خصلة وصفة منهن فتلتصق بك أحكام بعض النفاق – وإياك ثم إياك تجتمعن فيك فتكن منافقاً خالصاً ، ومنشأ تلكم الصفات جميعاً الكذب فمن توخاه نجا ومن تمسك به هلك خبيث القلـــب قدْ يظهرْ من الأفعالِ والمظهــــــرْ علامـــــــــــاتُ ُ تُمـيِّزُهُ فحذِّرْ من ترى واحــــــذرْ إذا يلقاكَ تلحظــــــــــهُ كئيب الوجـــه والمنظــرْ تساعــــــــــــدُهُ بمحنتهِ ويُصبحُ بعــــــدها أقـــذرْ ويَفْجُرُ في مخاصمــــةٍ وفي صُلــــح ٍ بدا أفجــرْ ولا أصلُ ُ لمَصْـــــدرهِ فبئسَ الأصــلُ والمصـــدرْ وكلُّ النـــــــاس تعرفهُ كذوبَ القولِ إن أخبـــــرْ ويصنعُ كلَّ مشكلــــــةٍ ويضعُ اللـَّوم في الأصــغرْ يريدُ النـــــــاس يقتتلوا وحقُّ دمائهمْ يُهــــــــدرْ فيبكي فوق جُـثــَّتِــــهمْ وفرحـــة ُ قلبـِـــــــــهِ أكثرْ يُقالُ الكـــــــــــافرٍ شرُ ُوهذا شــرُّهُ أخطـــــــــــرْ وفرضُ الظــهرَ يشهدهُ وفي البـــردين ِلا يظهــــرْ وقالَ صيامنــا فـــرضُ ُوبعد الفجــــرِ قدْ أفطـــرْ ويعطي ســائلاً مَنــــَّــاً فلا يُجــــزَى ولا يُؤجــَـــــرْ إلهَ الكون عَذّبـْــَــــــهُ صحيــحاً قبْلَ أن يُـقـْبــــرْ وإن يأتيــكَ فاحرمْــــهُ من الفـــردوس و الكوثــــرْ


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى