هذه هى ماما مايسه” أم المعاقين ” حب جارف وعطاء لاينضب
كتبت: رشا عبد الرؤوف محمد
هذه هي ماما مايسة ،، حب جارف وعطاء لا ينضب
مايسة إسحق عبد الواحد جعفر أو ” أم المعاقين ” كما كانوا يلقبونها وكما كان يسعدها أن تُنادَى . وهبها الله منذ ثلاث واربعون عاماً ملاكاً اسمه محمد أخبرها الأطباء عند ولادته أنه معاق ذهنياً .. يومها لم تكن تدري ما معنى معاق ذهنياً ولكنها عاهدت نفسها على أن توقف حياتها على هدية الرحمن كي تنمي مواهبه وقدراته وتجعله يلحق بأقرانه الأسوياء ؛ هذا إلى جانب عملها كمعلمة وإلى جانب رعايتها لأشقاءه والذان كانا نعم العون لها في حياتها وقبلهما شريك عمرها ورفيق كفاحها زوجها المحب .. عانت ماما مايسة الأمرّين في السفر إلى طنطا يومياً لاصطحاب محمد إلى مدرسة التربية الفكرية للمعاقين ذهنياً ثم العودة إلى عملها بالمحلة وبعد العمل تسافر إلى مدينة طنطا مرة أخرى للعودة بمحمد إلى المنزل بالمحلة وذلك لعدم وجود مدرسة للتربية الفكرية بالمحلة .. وهناك لاحظت أن معظم أولياء الأمور يحضرون أبناءهم إلى المدرسة في الصباح الباكر ثم ينتظرون على الرصيف المقابل للمدرسة لحين خروجهم قبيل العصر لأنهم وببساطة شديدة لا يملكون نفقة الذهاب والعودة مرتين في اليوم الواحد .. فكان تحديها الثاني في حياتها المليئة بالتحديات أن تنشئ مدرسة للتربية الفكرية بالمحلة لترحم الأمهات والأبناء من عناء السفرفأعانها الله وتحقق لها ما أرادت وأنشأت مدرسة للتربية الفكرية بمدينة المحلة الكبرى بالجهود الذاتية . ولكن بعد الإنشاء كانت المفاجأة أن نظام مدارس التربية الفكرية يرفض استقبال الحالات متعددة الإعاقة والإعاقات الشديدة ! فكان القرار بإنشاء جمعية تحتضن فيها كل أبنائها من المعاقين ذهنياً وكل من لا تنطبق عليه شروط الالتحاق بمدارس التربية الفكرية .. فكانت جمعية الحب والعطاء حضن الأمان لكل ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين ذهنياً وأسرهم . التي انشأت عام ٢٠٠٠ وكانت اول جمعية لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصه في مدينة المحلة الكبرى ومحافظة الغربية والتي كانت بداية امل لكل طفل ذوي احتياجات خاصةولكل أب وأم عندها طفل من ذوي الهمم في مدينة المحلة الكبرى
ثم قررت أن تضم للجمعية ذوي الاحتياجات الخاصة من الصم والبكم لشعورها بمدى احتياجهم للرعاية في وقت لم يكن بمدينة المحلة أي جمعية أو مؤسسة لرعايتهم . نمت الجمعية وازدادت في الاتساع على مر السنوات حتى أصبحت تشمل أكثر من ألف وخمسمائة طفل معاق وأسرهم ؛ ومن أجمل الألقاب التي أطلقت على الجمعية ” جمعية الفقراء ” لأنها كانت تتعمد إشراك كل الأسر الغير قادرة على تقديم ابسط أنواع الرعاية لأبنائهم المعاقين أو إشراكهم بأي جمعية أخرى نظراً لرقة حالهم وكانت تقدم كل خدمات الجمعية العلاجية والتدريبية والاجتماعية مجاناً تماماً لهم مع إقامة بعض المشروعات البسيطة لذويهم تكفل لهم دخل شهري كريم .
بعد أن ازداد عدد الأبناء بشكل كبير جداً وجدت أن العديد منهم في أشد الاحتياج لمكان يأويهم بعد وفاة من يرعاهم حالياً ؛ بل وجدت أن بعض الحالات بالفعل تحتاج إلى مكان يأويهم ويأوي ذويهم . فقطعت على نفسها عهد ألاّ يهدأ لها بالاً حتى تقيم داراً للأطفال المعاقين فاقدي المأوى والمسنين من ذويهم أو غير القادرين ولو استنفذ هذا الحلم عمرها كله ؛ وقد حدث بالفعل أن استنفذ عمرها كله .. حيث كانت ذاهبة إلى مكان المبنى بقرية جانب المحلة هي ورفيق عمرها وابنها وبعض أبناء الجمعية في عربة ميكروباص للاحتفال بانتهاء أولى مراحل المبنى وكانت فرحتها تكاد تقارب فرحتها بيوم زفاف ابنتها .. ولكن يشاء الله أن يصطدم الميكروباص الذي يقلهم بعربة نقل وتتحطم عظام ماما مايسة هي وزوجها والمشرفة المصاحبة لهم وينجو الأطفال ولله الحمد دون أي إصابات .. ظلت ماما مايسة تعاني من الآلام وخضعت للعديد من العمليات الجراحية ولم يغب عن ذهنها للحظة الجمعية وأبناء الجمعية وأهاليهم ؛ تسأل عن كل التفاصيل وتطمئن لسير الأمور كما يجب حتى وهي تحت تأثير مخدر العمليات وكأن حبها وشغفها بأبنائها وأهاليهم لا يقدر على تغييبه أقوى المغيبات .
عام كامل وهي تقاوم الأوجاع وتحاول العودة لتكمل حلمها ولكن خارت قواها التي تم تهن لحظة من قبل وكأن الله أراد لهذا الجسد وهذه الروح أن تستريح بعد رحلة كفاح وجهاد لا ينتهي .
وها نحن بعد سنوات من وفاتها نتذكر اعمالها وجهدها وندعو الله ان يجعل اعمالها في ميزان حسانتها فهي كانت تملأ حياة ابنائها من ذوي الهمم حباً واهتماماً وبهجة حتى يرتموا في أحضانها ويملئون الدنيا صخباً وفرحة بحبها..
رحما الله واسكنها فسيح جناته وجعل اعمالها في ميزان حسناتها.