لماذا يحدث الإحتيال المالي؟!
كريم أحمد
لماذا يحدث الإحتيال المالي؟!
وهذا السؤال يحمل بعدا إقتصاديا وخطيرا جدا،، وتختلف الإجابة عليه بحسب كل مدرسة إقتصاديه تنتهجها الدوله وتأخذها الدوله على عاتقها كسياسات تنفيذيه،، وإليك عزيزي القاريء الأجوبة الأتيه التي تختلف بحسب كل مدرسة إقتصاديه :
أولا: النظام الرأسمالي
الإحتيال المالي يأتي نتيجة ضعف عمليات التكوين الرأسمالي(إرتفاع تكاليف تصنيع الألات، إرتفاع تكاليف التنقيب والإستخراج) ووجود العجز الشديد في بعض القطاعات الإنتاجيه والخدميه من حيث الإنتاج أو الإستهلاك ،، وذلك حيث كانت الحملات الصليبيه في القرن الخامس الهجري على الشرق الإسلامي كان سببها الإقتصادي ينطوي على معاناة الفلاحين من جور الكونتات الإقطاعيين وتكدس المدن الأوروبيه التجاريه بالسكان فرأوا في الشرق الإسلامي بخيراته الإقتصاديه مطمعا كبيرا جدا للهجوم عليه وكان القساوسة والرهبان مثل بطرس الناسك يرى أن في ذلك حقا شرعيا للفلاحين الثكالي والصعاليك في أن ينضموا إلى حملة عسكريه صليبيه يغنمون فيها المزيد من خيرات الشرق وعرفت حملته الصليبيه في التاريخ بإسم حملة الرعاع،، كما أن بريطانيا في سنة ١٨٨٢ رأت في القطن المصري فرصة إقتصاديه كبيره يمكن الحصول عليها بالإحتلال العسكري عن طريق اللورد كرومر الموظف بوزارة المستعمرات البريطانيه وكذلك بورصة الإسكندرية في نفس العام والبنك الإنجليزي الذي تأسس في مصر سنة ١٨٨٩ ،، فضلا عن نقصان الإنتاج الزراعي وقلة الغذاء ونزوح الفلاحين الي المدن الصناعيه مثل لندن فقامت بريطانيا بإقامة مستعمرات زراعيه في الجزر المحيطه بها مثل نيورلندا وإيرلندا وإسكندينافيا لما تتمتع به من ثروة زراعيه وحيوانيه،، وكذلك إحتلال شبه القاره الهنديه عن طريق شركة الهند الشرقيه في سنة ١٦٤٨ والتي قامت بإنشاء شركات لإنتاج الخمور ومنتجات التبغ بغية إحتلالها عسكريا فيما بعد لما تتميز به شبه القارة الهنديه من مميزات إقتصاديه ليست موجوده في بريطانيا وهي صناعة الحرير ومنتجات التوابل والأعشاب وإستخلاص الزيوت العطريه من أشجار العود وإنتاج البخور والشاي السريلانكي،، فهي قامت بالسيطره على إقتصاد شبه القارة الهنديه ومقدراته عن طريق شركات إنتاج الخمور في كاليكوت فضلا عن إنشاء البنوك ذات الفوائد على رأس المال والضمانات المالية المجحفه التي كان يديرها عائلة آل روتشيلد اليهوديه أصحاب أكبر ثروة ماليه في القارة الأوروبيه وكذلك زراعة التبغ في أراضي البنغال وتشغيل الهنود فيه بالسخرة لزراعته والقيام بنقله إلى مصانع كاليكوت لتحويله إلى منتجات دخان كالمعسل والسجائر وكانت هذه المنتجات يشتريها أثرياء القوم فقط في بداية الأمر ثم إتسعت دائرتها بشكل كبير جدا بعد إعلان الإحتلال البريطاني على الهند في سنة ١٨٥٧ وإعلان الملكة فيكتوريا حاكما رسميا على شبه القارة الهنديه،، كما وقامت بريطانيا في الصين بزراعة التبغ في مقابل الحصول على محصول الأرز الذي هو محصول ذات أهمية إستراتيجية كبيره لدي الصين وذلك في الفترة من ١٨٠٣ إلى سنة ١٨٣٩ وبهذه المعادلات الإحتيالية الماليه أستطاعت بريطانيا بفكرها الرأسمالي إفقار دول الجنوب وقتلها وتجويعها حتى أصبحت زراعة الأرز في الصين متناقصه بشكل حاد في مقابل زيادة زراعة التبغ ومنتجاته التي أدت إلى ضياع البنيه الجسمانيه والإصابه بأمراض الربو والرئه ،، كما وقامت فرنسا بالإستيلاء على حقول الذهب في وسط وجنوب أفريقيا من خلال حيلة إقتصاديه وهي بيع الأقلام الذهبيه بأسعار باهظة الثمن من الذهب لدي ملوك وسط وجنوب أفريقيا حتى تستطيع أن تنهب المزيد من الذهب الموجود في المناجم ولما تنبه هؤلاء الأفارقه لتلك الحيلة الإقتصاديه القذرة والتي باتت مفضوحة لديهم نشبت الحروب العسكريه في هذه البلاد الأفريقية من جانب الأفارقة وذلك في القرن التاسع عشر الميلادي،،
وعليه فإن معادلة الإحتيال المالي حسب هذه المدرسة الرأسماليه يتم بتصريف المنتجات ذات الإكتفاء الذاتي بالأسواق الخارجيه في مقابل الحصول على المنتجات ذات العجز الكبير من هذه الأسواق من حصيلة البيع وكل ذلك ضمن عمليات إقتصاديه عسكريه ذات طابع إستعماري،، كما أن بريطانيا لما قامت بإكتشاف البترول في دول الخليج في أواخر القرن التاسع عشر بموجب حقوق الإمتيازات الأجنبيه كانت تقوم بدفع الأموال الطائله من رواتب الجنيهات الإسترلينية الذهبيه وكذلك الروبيات الهنديه الذهبيه لدي رؤساء القبائل والعشائر العربيه في مقابل أن تقوم بالحفر والحصول على كميات كبيرة من براميل البترول ولا سيما آل سعود في نجد وآل مكتوم في الإمارات العربيه الثلاث وهي أبو ظبي وعجمان والشارقه وهذه الإمارات كانت تقع تحت النفوذ الإيراني،، وكذلك آل الصباح في الكويت وهي كانت محافظة تابعة لولاية العراق العثمانيه في ذلك الوقت،، ولما ضعفت قوة بريطانيا الإستعمارية وتراجعت بعد إنتهاءالحرب العالميه الثانيه سنة ١٩٤٥ حصلت أمريكا على جميع الإمتيازات البريطانيه التي كانت تؤديها في الحصول على البترول من منطقة الخليج العربي والقيام بتخزينه في منطقة البحيرات الكبري في أمريكا الشماليه والتي تطل على خمس ولايات وهي شيكاغو ومتشيجان ونيفادا وسان فرانسيسكو وميسوري..
ثانيا : الإقتصاد الشيوعي
وهو يرى أن الإحتيال المالي ينتج من عدم العدالة في توزيع الثروات والدخول نتيجة غياب المساواة والعدالة الإجتماعيه،، حيث أن مايبذلة الشخص من مجهود كبير لايتوازي تماما مع مايحصل عليه من مرتب ضئيل لايكفي حاجاته الإستهلاكيه فتقوم الدوله بسياسة الدعم المالي للسلع الضرورية من نفقات ميزانية الدولة وتقوم بتقديم تسهيلات ماليه في الحصول على السلع الكماليه والمعمرة عن طريق النقابات العماليه وطرح المعارض التجاريه التي تستمر لفترة زمنيه محدده لتشجيع الإستهلاك والإقبال عليها..
ثالثا : الإقتصاد الإسلامي
وهو يرى أن الإحتيال المالي يحدث نتيجة الغش في جودة السلع وخاماتها كإستخدام خامات تضر بالصحة الجسديه ومغايره لما عليه عرف التجار والصناع،،
وكذلك ممارسة عمليات الغبن الفاحش حيث يقوم البائع ببيع السلعة بأعلى من خمس السعر المتعارف عليه في عرف السوق والتجار كما حدده الفقهاء،، فلو كان المتعارف عليه في سلعة أنها تباع ب١٠ج مثلا وقام تاجر ببيعها ب ٣٠ج فهذا الفرق الكبير يسمى غبنا فاحشا لزيادته عن مقدار خمس ثمن السلعه فلو زاد علي هذه العشرة ٢ج وهو خمس العشره فلا يكون مما يدخل في الغبن الفاحش أبدا ويكون من الربح الذي لابأس به،،
ويأتي كذلك هذا الإحتيال المالي من بيع النجش حيث يتفق جميع التجار في السوق على بيع سلعة بسعر مرتفع إستغلالا لعمليات النقص الإنتاجي الذي تعانيه هذه السلعه في المصانع وكذلك إستغلالا لحاجة الناس الماسة لها من جراء هذا النقص الشديد في إنتاج هذه السلعه ووجودها بمخازن المصانع،، فيكون هذا البيع يسمى ببيع النجش وقال فيه صلى الله عليه وسلم كما جاء في رواية الترمذي أنه قال ( الناجش آكل ربا) حيث أن النجش هذا في حكم آكل الربا تماما،،
كما وقد جعل للفقهاء سلطة المحتسب وشرطته القيام بمنع عمليات الإحتيال المالي بالأسواق والتجارات والصناعات وتوقيع التعذير عليها على الفور بمجرد رؤيتها من غير الحاجة إلى مجلس قضائي أو إعلام السلطان للعمل على دفع المنكر وإقامة المعروف في الناس..