لماذا تستقبل إندونيسيا شيخ الأزهر ،إستقبال الملوك؟

جريدة صوت الحياة
.لماذا تستقبل إندونيسيا شيخ الأزهر مثل الملوك؟
تستقبل إندونيسيا، شيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بحفاوة لا تقل عن تلك التي تُخصص لملوك الدول وزعمائها، في مشاهد تثير الدهشة لدى من يجهل الجذور العميقة للعلاقة بين الأزهر الشريف وأكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان.
لكن هذه الحفاوة ليست وليدة اللحظة، بل تمتد جذورها إلى قرون مضت، حين بدأ طلاب العلم من الأرخبيل الإندونيسي يشدّون الرحال إلى القاهرة، بحثًا عن نور العلم من منابعه الأصيلة في الجامع الأزهر، حاملين معهم لغتهم، وثقافتهم، وأحلامهم بنهضة بلادهم على أسس إسلامية متينة.
وكان الرئيس الإندونيسي الأول أحمد سوكارنو، يحرص على زيارة الأزهر ولقاء علمائه، كما أن دستور البلاد يحمل أثرًا واضحًا من قيم الوسطية التي يدعو إليها الأزهر، ما جعل العلاقة بين المؤسستين علاقة شراكة حضارية وفكرية أكثر منها علاقة سياسية عابرة.
الإمام الطيب،، حامل رسالة التسامح
وتحمل زيارة الإمام الأكبر إلى جاكرتا في طياتها أبعادًا تتجاوز البروتوكول، فهو ليس مجرد قائد ديني، بل رمز لوحدة الأمة الإسلامية وصوت للاعتدال، خصوصًا في زمن تشهد فيه بعض المناطق الإسلامية توترات مذهبية وفكرية حادة.
وتأتي الحفاوة الرسمية والشعبية تعبيرًا عن تقدير واسع لدور الإمام الطيب في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، ومواقفه الصلبة من قضايا المسلمين حول العالم، ومنها القضية الفلسطينية.
هذه العلاقات الطيبة الودودة تظهر بوضوح، في كل خطوة يخطوها الإمام الطيب على أرض إندونيسيا، تتجدد الأسئلة كيف استطاعت مؤسسة دينية أن تظل حاضرة في وجدان الشعوب لعقود طويلة؟ وكيف تحوّل الأزهر إلى جسر حضاري يربط مشرق العالم الإسلامي بمغربه؟
جذور العلاقة في القرن السابع عشر
والعلاقةٌ تعود جذورها إلى القرن السابع عشر، حين بدأ التجار والعلماء الإندونيسيون يشدّون الرحال إلى مصر، وتحديدًا إلى الجامع الأزهر، طلبًا للعلم الشرعي، قبل أن يعودوا إلى وطنهم علماء وفقهاء أسهموا في نشر تعاليم الدين الإسلامي الوسطى.
ويواصل طلاب إندونيسيا دورهم في ترسيخ هذه العلاقة الممتدة، حيث يبلغ عددهم في الأزهر الشريف أكثر من 14 ألف طالب، يشتهرون بانضباطهم وأخلاقهم العالية، وحرصهم على التميز العلمي والتحلِّي بالقيم الإسلامية، وهو ما جعلهم محل تقدير داخل المؤسسة الأزهرية وخارجها.
استقبال رئاسي يؤكد عمق العلاقة
وفي تأكيد لهذا الارتباط العريق، استقبل الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، الإمام الأكبر في قصر ميرديكا بالعاصمة جاكرتا، مؤكدًا أهمية الزيارة ومكانة الأزهر في نفوس الإندونيسيين. وأعرب ويدودو عن تقدير بلاده الكبير لشيخ الأزهر، بوصفه رمزًا عالميًّا للاعتدال، مشيرًا إلى أن الأزهر هو المرجعية الأولى لمسلمي إندونيسيا في العلوم الشرعية واللغة العربية.
كما عبّر الرئيس الإندونيسي عن رغبة بلاده في مضاعفة أعداد الطلاب الإندونيسيين الوافدين إلى الأزهر، مشددًا على دورهم الحيوي في تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة، وتعزيز قيم السلام والتعايش في المجتمع.
منارة العلم الأولى للإندونيسيين
ويعد الأزهر الشريف الوجهة الأولى لطلاب إندونيسيا الراغبين في دراسة العلوم الإسلامية، حيث يحظى خريجوه بمكانة رفيعة في بلادهم، ويتقلد كثير منهم مناصب قيادية في المؤسسات الدينية والحكومية، من بينهم الرئيس الإندونيسي الأسبق عبد الرحمن وحيد، خريج جامعة الأزهر.
ويقدّم الأزهر سنويًّا 175 منحة دراسية لطلاب إندونيسيا، إلى جانب اتفاقيات علمية متبادلة، أبرزها اتفاق أُبرم عام 2010 لتبادل الزيارات بين أعضاء هيئة التدريس وتنفيذ بحوث علمية مشتركة مع الجامعات الحكومية الإندونيسية، ويُجدد تلقائيًّا كل ثلاث سنوات.
الأزهر حاضر في مناهج التعليم الإندونيسي
وتنعكس مكانة الأزهر في الواقع التعليمي الإندونيسي، إذ تضم البلاد 55 جامعة إسلامية حكومية في مختلف المقاطعات، ويُدرّس بها مادة وسطية الإسلام كمادة إجبارية لطلاب الجامعات، استنادًا إلى مناهج الأزهر، لما يتمتع به من خبرة عريقة في تقديم المنهج الإسلامي المعتدل ومواجهة التطرف بالفكر والعلم.
وفي بلد يضم أكثر من 800 ألف مسجد، يظل الأزهر مرجعًا حيًّا وفاعلًا في تشكيل الخطاب الديني المعتدل في إندونيسيا، ما يجعل من زيارة الإمام الأكبر أكثر من مجرد زيارة رسمية، بل تأكيدًا على روابط حضارية وثقافية وروحية عميقة، تتجدد مع كل لقاء وتزدهر مع كل طالب علم.