مرأة ومنوعات

قلوب لاتراها العيون


كتبت د/مؤمنه محمد طعيمه
في زحام الحياة، حيث تتقاطع الطرق بين البشر وتتشابك الأرواح دون أن تدرك أبعاد بعضها البعض، نميل إلى الحكم السريع، إلى القياس الظاهري، إلى تصنيف الآخرين بناءً على لمحة أو تصرف عابر. ولكن، ماذا لو استطعنا أن نرى القلوب كما نرى الوجوه؟ ماذا لو استطعنا أن ندخل أعماق الآخرين، فنلمس الجراح التي لا تُرى، ونسمع صرخات الألم التي تُكتم، ونفهم المعارك التي يخوضونها بصمت؟
يقول الدكتور مصطفى محمود:
“لو دخل كل منّا قلب الآخر؛ لأشفق عليه ولرأى عدل الموازين الباطنية، برغم اختلال الموازين الظاهرية، ولمَا شعَر بحسد ولا بحقد ولا بزهو ولا بغرور.”
هنا، تتجلى حكمة الحياة في أبهى صورها. ما يبدو لنا غير عادل، قد يكون عدلاً مطلقًا في ميزان الله، وما نحسبه نعمة عند غيرنا، قد يكون ابتلاءً ينوء بحمله صاحبه. كم من شخص نحسده على ابتسامته، وهو يخفي خلفها وجعًا لا يحتمل؟ وكم من شخص نغبطه على راحته، وهو في داخله يتمنى لحظة سلام؟
وفي ذات السياق، نجد قول الرافعي:
“في كل إنسان تعرفه، إنسان لا تعرفه.”
إنها الحقيقة التي تغيب عنا كثيرًا. الوجه الذي نراه، ليس سوى قناع يرتديه صاحبه لأداء دوره في هذه المسرحية الكبرى التي نسميها الحياة. خلف كل ابتسامة دمعة مؤجلة، وخلف كل صلابة هشاشة مخبأة، وخلف كل صمت ضجيج لا يُحتمل.
فن التماس العذر
حين ندرك أن لكل إنسان قصة، وأننا لا نرى إلا فصولًا متفرقة منها، سنكون أكثر تسامحًا، أقل قسوة، وأعمق تفهمًا. لن نتعجل في إصدار الأحكام، ولن نختصر الآخرين في لحظة انفعال أو خطأ عابر. فربما كانت الكلمة الجارحة التي سمعناها، صرخة ألم دفينة، وربما كان الجفاء الذي لمسناه، حائط حماية من خذلان متكرر.
التماس العذر ليس ضعفًا، بل هو فهم أعمق للحياة. وهو الدواء الوحيد ضد الحقد والغل والحسد. حين نبرر للآخرين تصرفاتهم، وندرك أنهم يقاتلون معاركهم الخاصة، ستقل صدماتنا، وسنحيا بقلوب أخف.
وأخيرًا،،،
قبل أن نحكم على أحد، لنتذكر أنه يحمل في داخله إنسانًا لا نعرفه. وقبل أن نحسد أحدًا، لنتذكر أن هناك عدلًا خفيًا لا تدركه أعيننا. وقبل أن نغتر بأنفسنا، لنتذكر أننا في نظر غيرنا، قد نكون نحن من يُساء فهمه، ونحن من يُحكم عليه بغير حق.
فلنعطِ الآخرين من حسن الظن بقدر ما نحب أن يُعطونا، ولنسأل الله دائمًا.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى