**المتفيهقون**
**كتب د/ محمد الرقاعي** الاستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة **
حينما تعرف قيمتك الحقيقية ، لن تنتظر مدحا من أحد ، أو سخط ، ستترفع عن الدخول فى منافسات ، لأنك تعلم أن خطوة واحدة صادقة كافية لتحقيق الإنجاز ، والإنجاز ليس مالا تحوزه ولا منصب ترؤسه ، إنما هو معرفة حقيقة الدنيا وحدود قوتك ، فالإنسان الذى يعرف حدود نفسه لا يلتفت إلى مغريات الحياة ، والإنسان الذى يقدر قيمته الحقيقية ، لا تستعبده وظيفة ولا يضعفه جاه ، ومن الضعف أن يقودك طموحك إلى منافسة الدنيا ، فتهلك كما أهلكت الدنيا الأمم السابقة ، حينما شاعت فاحشتهم ، فكان وعد الله حقا بزوالهم، بعد تماديهم فى طغيانهم ، وكم من أمة قادها هوى النفس ، فكانت تذكرة وعظة ، ومن لم يتعظ بمن سبقوه ، كان أمره فرطا ولم يكن له محيص ، هكذا أندثرت الحضارات القديمة حينما زالت قيمهم وتقاليدهم ، فلا خير فى أمة كان القلم فى يد المتفيهقون بها الذين يملؤون الدنيا بتفاهاتهم ويخفون الخناجر خلف ظهورهم ، يخرجون عن الحق ويتكبرون بالباطل ، ظاهرهم العلم وباطنهم احتقار البشر ، يعبدون الدنيا ويقدسون المصلحة ، ينافقون الحكام ويبايعون المغتصب ، شريعتهم نفسي نفسي وقانونهم الثرثرة،
فى وجودهم بلاء وعند رحيلهم مغنما .
يفيض الوطن بسمومهم ، وقد وارى الثرى أفضل جنودنا
وسم الأفاعي فى دمائنا يسرى ، والغدر سلعة في زماننا تسطع
والوطن باق فى قلوبنا يحيا ، واهل الوادى فى صمتهم سطوة..