* الطب البيطري وعلم الحيوان*
كتب/ محمد حسان
لقد عانى العربي قديما من قسوة بيئته الصحراوية، خاصة فيما يتعلق بمأكله ومشربه وترحاله مما عزز أهمية حيواناته من ماشية ودواب وما يتعلق بها من علف وغذاء ورعاية، وذلك لما لها من أهمية قصوى في غذائه وشرابه ولباسه وتنقلاته وغيرها.
وكان لظهور الإسلام واتساع الفتوحات الإسلامية وتنامي المعارف العلمية الجديدة أن زاد الاهتمام بصورة أكبر بتلك الكائنات الحية على أسس علمية، ولا شك أن للدين الإسلامي الحنيف ولنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم اليد الطولى في إضفاء ملامح هذه الأسس، وفي ذلك نجد النبي ﷺ يقول دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فلا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، وقوله: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من شدة العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفمه حتى رقى البئر فسقى الكلب فشكر له الله وغفر له. ويقول أبوهريرة رضي الله عنه، الذي روى الحديث، أنهم قالوا يا رسول الله فهل لنا في البهائم أجر؟ فقال صلى الله عليه وسلم في كل كبد رطبة أجر.
في العصور الإسلامية التالية ظهرت أول دراسة شاملة في هذا التخصص وهي كتاب الحيوان للجاحظ، الذي يتناول من خلاله حياة ووصف الحيوانات وبيان أنواعها وخصائصها وسلوكها وأمراضها وطرق شفائها، كذلك يعتبر كتاب حياة الحيوان للدميري أشمل ما ذكر بهذا العلم، حيث عالج في بحثه كل نوع من الحيوانات على حدة، مبينا خصائصه ومزاياه وسلوكه وفوائده الاقتصادية والطبية. كما قدم ابن سينا في كتابه الوفاء جوانب عديدة ودقيقة عن أنواع عديدة من الحيوانات، كما وصف الحيوانات البحرية وبحث في العظام والغضاريف والشرايين والحركات الإرادية والطبيعية، وتقدمت البحوث فزاد عدد المؤلفات العلمية في هذا المجال حتى انه ظهرت العديد من المعاجم والبحوث القيمة في التاريخ الطبيعي في القرن الثالث. ومن الملاحظ اهتمام العرب الشديد بالخيول لما لها من علاقة وثيقة بحياتهم، حيث تستخدم للنقل والانتقال والقتال والسباقات وغيرها، وقد ظهر أول كتاب في تربيتها وبيطرتها عام 246هـ لمؤلفه محمد بن حزم. وتناول الكتاب الفروسية والخيل وبحث سلوك الخيل وخصائصها وعللها وسبل العناية بها، وتلا ذلك عدد من المؤلفات المشابهة.
ويعتــبر كـتــاب زكريا بن العوام ،،الفلاحة،، أشهرها على الإطلاق، والذي يشمل أربعة فصول تتناول تربية الحيوانات ومزاياها وعلل الأبقار والأغنام والماعز والخيول والحمير والجمال والبغال ووسائل علاجها. ويماثل الكتاب السابق كتاب ابن هذيل الأندلسي الفوائد المسطرة في علم البيطرة. وينظر لكتاب كامل الصناعتين. لمؤلفه أبوبكر بن بدر البيطار على أنه أعظم مؤلف كتب بهذا المجال في العصور الوسطى، ويعالج الكتاب شؤون تربية الحيوان وسلالاتها ويقارن بين الأصيل والهجين منها. ويحوي المؤلف أيضا بابا عن الطيور، كما عالج سبل علاج الحيوانات.
ولا شك أن للمسلمين الفضل الأكبر في قيام هذا العلم وبلوغه الحد الذي وصل إليه، فمن خلال بحوثهم الاستقرائية وسعيهم الدؤوب أدخلوا الكثير من العقاقير الطبية في هذا الفرع وعدلوا الأساليب الجراحية وقدموا العديد من الكتب الطبية في هذا المضمار.