أطفالنا مرآة للمنزل والمجتمع… كيف نُهذّبها ونحوّلها إلى طاقة إيجابية؟”

كتبت : رشا خضير،،
أطفالنا مرآة للمنزل والمجتمع… كيف نُهذّبها ونحوّلها إلى طاقة إيجابية؟”
الأطفال أشبه بصفحات بيضاء تُخطّ عليها الأسرة والمجتمع أولى الحروف، فهم يكتسبون سلوكياتهم من كل ما يحيط بهم من كلمةٍ عابرة للأب، أو تصرّفٍ من الأم، أو موقفٍ في المدرسة، أو حتى من مشهدٍ يُبَث على شاشة التلفاز. لذا فإن تعديل السلوك غير المرغوب فيه ليس مهمة مستحيلة، لكنه يحتاج فهماً عميقاً للجذور التي نشأ منها هذا السلوك.
الاطفال لا يسمعون مانقوله بقدر ما يرون ما نفعله ( ماريا منستوري )
منذ اللحظة الأولى لولادة الطفل يبدأ في تسجيل كل ما يراه ويسمعه، فيتشكّل سلوكه تدريجياً من خلال المنزل أولاً، ثم المدرسة، والأصدقاء، وحتى الشارع ووسائل الإعلام. إن الطفل مرآة صادقة للبيئة المحيطة به، ولذا فإن تعديل أي سلوك غير مرغوب فيه لا يبدأ بالأوامر أو العقاب، بل بفهم جذوره في الأسرة والمجتمع.
البيت… المعلم الأول للسلوك
يؤكد خبراء التربية أن البيت هو المدرسة الأولى للسلوك. فطريقة تحدث الوالدين مع بعضهما تنعكس على لغة الطفل، وطريقة التعامل مع الغضب أو المشكلات تشكّل أسلوبه في مواجهة المواقف.
تقول د. هالة مصطفى، استشارية تعديل السلوك:
الطفل لا يتعلم بالكلام فقط ؛ بل يقلد ما يراه من تصرفات فالكلمة اللطيفة
قد تبني سلوكا إيجابيا والنقد القاسي قد يهدم ثقته بنفسه
ويرى خبراء التربيه ان هناك أرقام تدق ناقوس الخطر
بحسب تقرير اليونيسف، يتعرض نحو 93% من الأطفال في مصر لممارسات تأديبية عنيفة (بدنية أو نفسية) على الأقل مرة واحدة في حياتهم.
وهناك دراسة مصرية شملت أطفالاً في المرحلة الابتدائية أظهرت أن 34% يعانون صعوبات سلوكية أو عاطفية تحتاج إلى تدخل تربوي أو نفسي.
وفي دراسة أخرى خلال جائحة كورونا كشفت أن حوالي 43% من الأطفال كانوا عرضة لمشكلات سلوكية أو انفعالية، ما يعكس أهمية البيئة الداعمة للصحة النفسية.
هذه الإحصاءات تؤكد أن السلوكيات غير المرغوبة ليست مشكلة فردية بل تحدٍ اجتماعي يستدعي وعياً جماعياً.
البيئة المحيطة… شريك لا يمكن تجاهله .
لا يقتصر تكوين سلوك الطفل على الأسرة فقط، فالمعلمون والأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دوراً لا يقل أهمية. الطفل الذي يرى في مدرسته بيئة يسودها الحوار والتقدير سيكتسب الثقة والهدوء، بينما قد تؤدي المشاهد العنيفة أو الكلمات الجارحة إلى تعزيز العدوانية أو القلق لديه.
نصائح لتعديل السلوك غير المرغوب فيه
1. كن قدوة حسنة: يتعلم الأطفال بالمشاهدة، فلتكن تصرفاتك انعكاساً لما تتمنى أن يكونوا عليه.
2. الفصل بين السلوك والطفل: قُل: “أنا أحبك، لكن هذا التصرف غير مقبول” بدلاً من رفض الطفل نفسه.
3. التعزيز الإيجابي: مدح السلوك الجيد أو مكافأة بسيطة تشجع الطفل على تكراره.
4. تحديد السلوك بدقة: بدلاً من قول “كُن مهذباً”، قل: “رجاءً استخدم كلمات مثل من فضلك وشكراً.”
5. الثبات والاتساق: القواعد الواضحة والثابتة تبني لدى الطفل شعوراً بالأمان والانضباط.
6. الاستماع والتفهم: أحياناً يكون السلوك غير المرغوب رسالة غير مباشرة عن خوف أو حاجة نفسية.
7. طلب مساعدة متخصص: إذا استمر السلوك وأثر على الدراسة أو العلاقات الاجتماعية، يُفضل استشارة أخصائي سلوك أو طبيب نفسي.
رسالة لكل أب وأم
التعزيز الإيجابي يصنع ما لاتصنعه العقوبات القاسية
(هايم جينوت)
الأطفال ليسوا عنيدين بالفطرة، بل يحاولون التعبير عن مشاعرهم واحتياجاتهم بالطريقة التي يعرفونها. كل كلمة، نظرة، أو رد فعل من الأهل تُشكّل ملامح شخصياتهم المستقبلية
وفي نهاية المقال نود ان نلقي الضوء على ان
إن تعديل سلوك الأطفال رحلة تحتاج إلى الصبر والحب والوعي، تبدأ من البيت وتمر بالمدرسة والمجتمع ككل. فكلما قدمنا لهم بيئة آمنة مليئة بالتقدير والاحترام، نشأنا جيلاً سوياً، واثقاً، وقادراً على مواجهة الحياة بسلوكيات إيجابية تعكس قيمنا وثقافتنا.