من ذاكرة التاريخ ، اللواء ممدوح سالم ،رئيس وزراء مصر الأسبق


كتب م: أحمد سالم
من ذاكرة التاريخ ، اللواء ممدوح سالم ،رئيس وزراء مصر الأسبق
ربما يختلف البعض على أدائه وربما يتفق البعض الآخر ولكل وجهة النظر التى تحترم فتاريخ ومواقف الأشخاص هما الحكم الفاصل بين وجهات النظر.
كان من بين العوامل التى دعت الرئيس جمال عبد الناصر الذى تولى مهمة وزارة الداخلية فى أول حكومة تشكلها الثورة بعد إعلان الجمهورية لاختيار ممدوح سالم إعادة تشكيل جهاز الأمن السياسى فى بداية عهد الثورة معرفته السابقة بممدوح سالم، فقد كانا زميلين أثناء فترة الدراسة الثانوية، ولكن السبل فرقت بينهما، فالتحق عبد الناصر بالكلية الحربية، بينما التحق ممدوح سالم بكلية البوليس، ومضت مسيرة الحياة العامة بالجيلين فيما بعد، فقد أصبح عبد الناصر رئيسا للبلاد ونقل ممدوح سالم لشغل منصب مفتش المباحث العامة بالإسكندرية وتأسيسا على العلاقات الوثيقة القديمة بينهما اختار عبد الناصر ممدوح سالم ليكون مسئولا عن أمنه هو الشخصي، حيث تولى سالم الإشراف على تأمين كافة الرحلات الخارجية الرئيس عبد الناصر ، وقام بهذه المهمة خير قيام لمدة تقارب عشر سنوات منذ أواخر الخمسينيات، وأواخر الستينيات، وتولى ممدوح سالم فى ذات الوقت منصب مفتش أمن الدولة بالإسكندرية، ثم لم يلبث بضعة شهور إلا وأصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارا باختياره محافظ الغربية وعقب تولى السادات رئاسة البلاد بعد وفاة عبد الناصر، أجرى تعديلا محدودا، نقل خلاله ممدوح سالم ليشغل منصب محافظ الإسكندرية.
معالم سيرة ممدوح سالم الوظيفية تؤكد بما لم يجد مجالا للشك أنه لم يكن سوى رجل عبد الناصر إن جاز التصنيف وليس رجل السادات لأن السادات وحتى ذلك الوقت لم يكن له رجال ولم يعمل على تكوين كوادر أو رجال يكونون على ولاء له على باب القصر الذى كان يسكنه الرئيس السادات بالجيزة، وجد ممدوح سالم المكان أشبه بالثكنة العسكرية، وبمجرد أن تبين قائد مجموعة الحراسة وتأمين المنزل هوية السيارة، أمر بفتح البوابة الرئيسية للقصر، انطلقت السيارة بسرعة نحو الداخل وفى إحدى القاعات المجاورة للصالون الرئيسى بمنزل السادات، جلس ممدوح سالم وما هى سوى لحظات ودخل الرئيس السادات قائلا:د،، البلد فى خطر ياممدوح، مراكز القوى عاوزين يحولوها لبحور دم، ، دول بيتجسسوا عليّ أنا شخصيا أنا قررت أواجههم وفورا، أنا قررت إقالة شعراوى جمعة أخطر مافيهم وتعيينك مكانه، وبدا أن السادات وكأنه يضع ممدوح سالم أمام خيارين ليفاضل بين أن يكون وزيرا للداخلية أو محافظا للإسكندرية وبلا تفكير اندفع ممدوح سالم وبكلمات واثقة قال، أنا مع سيادتك ومع الشرعية ومع الشعب. كانت هذه هى المرة الوحيدة التى يشارك فيها ضابط شرطة فى حسم صراع على السلطة فى مصر فى التاريخ المعاصر
كانت المهمة صعبة شرحها السادات لممدوح سالم بكل أبعادها بعد أن أصبح وزيرا للداخلية. وأضاف السادات أنه استمع إلى الضابط الذى قدم له الشرائط التى تحتوى على مكالمات لعدد من كبار المسئولين ومكالمات مسجلة للرئيس نفسه الأمر الذى يشير إلى محاولة الاستيلاء على الحكم وفى هذه اللحظة طلب السادات من ممدوح سالم الذهاب. وبأقصى سرعة إلى وزارة الداخلية ليبسط سيطرته عليها وعلى المرافق التابعة لها، وبالذات على المباحث العامة التى رأى السادات أن المسئول عنها اللواء حسن طلعت فى المؤامرة وحذره أيضا من استخدام قوات الأمن المركزى الذى أنشأها شعراوى جمعة وتدين بالولاء له وانطلق ممدوح سالم يسابق الزمن ليكتب سطورا جديدة فى تاريخ وزارة الدخلية المعاصر قد تم تدوينها ليصبح ممدوح سالم أول ضابط شرطة يتولى قيادة الوزارة منذ قيام الثورة. كان التحرك السريع الذى قام به ممدوح سالم للسيطرة على غرفة التسجيلات بوزارة الداخلية قد أجهض الاتجاه المناوئ فلم يكد شعراوى جمعة يعلم خلال تواجده بمكتب الفريق محمد فوزى باستدعاء ممدوح من الإسكندرية حتى سارع بالاتصال تليفونيا باللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة وطلب منه إعدام كل مايحتفظ به فى إدارته من شرائط وتسجيلات ولكن اللواء حسن طلعت لم يتمكن من تنفيذ تعليمات شعراوى جمعة فقد سبقته قوة من رجال الحرس الجمهوري فأرسلت على وجه السرعة عقب وصول ممدوح سالم إلى وزارة الداخلية. تجاوز ممدوح سالم عن الكثير من التفاعلات النفسية التى كانت داخلة اتجاه شعراوى جمعة الصديق القديم، وحسن طلعت ولم يتردد فى تنفيذ المهمة وهى التحفظ على وزير الداخلية ومدير المباحث العامة، أما على الجانب الآخر فقد شدد ممدوح سالم تعليماته لقادة الشرطة على مستوى الجمهورية بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والاستعدادات لمواجهة أي اضطرابات أو مظاهرات، وبالفعل وقعت المظاهرات عقب صلاة الجمعة 14 مايو وبدأ تجمعها أمام مسجد جركس وأخرى أمام مسجد الكخيا وأمام مسجد المنشاوى تهتف افرح افرح ياديان فوزى خلاص ساب الميدان و لا سادات ولا مساومات عبد الناصر ما مات، ورغم أن ممدوح سالم كان ضابطا ورئيسا لمباجث أمن الدولة فى الإسكندرية إلا أنه كان يميل إلى الحوار السياسى قبل تعيينه وزيرا للداخلية مع من تنسب إليه تحركات مضادة للنظام وكان يقدم لهم التحذير تلو التحذير ولا يلجأ إلى سلاح الاعتقال إلا عندما تفشل كل محاولات التفاهم وأن ممدوح سالم ممن يتحلون بفضيلة الصمت والتحرك فى هدوء ودون إعلان ودون استعراض عضلات ومن هنا بدأ ممدوح سالم مهامه بعد أحداث مايو 1971 يمضى بخطى سريعة وفى كل الاتجاهات، أعاد دراسة كافة المواقف الأمنية، وأزال من قاموس مفردات الحياة السياسية فى مصر فى إيجاد تقارب حقيقى بين جهاز الشرطة والشعب وعلى محور آخر رأى ممدوح سالم أن الاهتمام برجال الشرطة أنفسهم وبأدواتهم الأمنية مهمة مطلوبة أيضا ويحسب له أنه أول وزير داخلية ينشئ إدارة خاصة أسماها إدارة العلاقات الإنسانية تتبعها فروع فى جميع مدريات الأمن على مستوى الجمهورية وتكون مسئوليتها أن ترعى كل جندى وضابط وتقف جواره وقت الشدائد، كان ممدوح سالم يدرك أن هناك مهمة أخرى على جانب كبير من الخطورة والأهمية يجب الالتفات إليها ألا وهى الاستعداد للمعركة الحتمية مع العدو الإسرائيلى فكانت تحركاته وتوجيهاته لأجهزة الشرطة وقيادتها هادفة للاستعداد الملائم للجبهة الداخلية لهذه المعركة. وبدأ السادات يدرك أن حسن اختياره لممدوح سالم صاحب العقلية السياسية الواعية بدأ يؤتى ثماره بأسرع مما تخيل، وفى شهر نوفمبر 1971 وبعد ستة أشهر فقط من تعيين السادات لممدوح سالم وزيرا للداخلية صدر قرار جمهورى لممدوح سالم بأن يتولى الإشراف على الأمانة العامة للحكم المحلى وله كافة سلطات وزير الحكم المحلى الواردة فى القوانين واللوائح، وكان من بين أهم خصائص وسلطات هذا المنصب الإشراف والمتابعة الكاملة لأعمال جميع المحافظين على مستوى الجمهورية وبعدها بأقل من شهرين أصدر الرئيس السادات قرارا بتشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور عزيز صدقى خلفا لمحمود فوزى، وعين فيها ممدوح سالم نائبا لرئيس الوزراء لشئون الخدمات بالإضافة إلى توليه مهام وزارة الداخلية. ولما كانت متطلبات مرحلة ما بعد انتصار أكتوبر1973 تفرض نفسها وبشدة. شرع السادات فى تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى وجنح إلى التحول إلى نظام التعددية الحزبية بدلا من الحزب الواحد أو التنظيم السياسى الواحد، وفى هذه الأثناء كانت قدرات ممدوح سالم السياسية محل تقدير وإعجاب من جانب السادات، وقرر أن يكلفه برئاسة الوزارة وعند هذا الحد انتهى دور ممدوح سالم كوزير للداخلية، وأصبح رئيسا للسلطة التنفيذية مجلس الوزراء بأكمله وكان أول ضابط شرطة يصل لتولى هذا المنصب، ومن بعده تولى صديق عمره سيد فهمى منصب وزير الداخلية فى منتصف أبريل 1975وأعاد ممدوح سالم تشكيل الوزارة أكثر من مرة تنفيذا لتوجيهات الرئيس السادات الذى كان يباهى فى كل مكان بممدوح سالم، وكان يقول معنديش حد بيفهم سياسة زى ممدوح سالم وقد شهدت فترة توليه مهام رئاسة الوزارة تطورات عديدة على كافة المستويات ثم تولى ممدوح سالم وزارة الداخلية مرة أخرى إلى جانب رئاسته للوزراء عقب أحداث 18، 19 يناير 1977 ولكن دخلت الدسائس بين الرئيس السادات وبين ممدوح سالم إلى أن تقدم باستقالته من منصبه كرئيس للوزراء فى عام 1978 وعاد ممدوح سالم إلى الإسكندرية ليعيش فيها مواطنا عاديا، وقال أحد المقربين لممدوح سالم، إنه وجد فى رصيده فى البنك 1600 جنيه وأعاد ثلاث سيارات ملاكى أرسلها إليه النبوى إسماعيل وزير الداخلية من الوزارة ليستخدمها فى تنقلاته ولكنه رفض وآثر استخدام سيارته الخاصة ماركة فيات 2300 والتى كانت لوحاتها المعدنية تحمل أرقام 110 ملاكى الإسكندرية، ولكن الرئيس السادات أصدر قرارا بتعيينه مساعدا لرئيس الجمهورية وعندما تولى الرئيس مبارك مقاليد الحكم فى البلاد فى أكتوبر1981 أعاد تعيين ممدوح سالم فى منصبه كمساعد لرئيس الجمهورية.



